رحيل شيخنا أبي أحمد سعيد الصفدي - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


رحيل شيخنا أبي أحمد سعيد الصفدي
رامز رباح - 31\10\2012
بسم الله الرحمن الرحيم
"يُبشرهُم ربُّهم برحمةٍ منه ورضوانٍ وجناتٍ لهم فيها نَعيمٌ مقيم. خالدينَ فيها أبداً، إن الله عندَه أجرٌ عظيم"(صدق الله العظيم )
بالدموع والحسرات، والرضى والتسليم لمشية الباري تعالى. تودع مجدل شمس اليوم شيخها الجليل، وحضرة العلم الطاهر الفضيل، فقيد الجولان، والطائفة المعروفية في كل مكان. العابد الزاهد الورع العفيف التقي، شيخنا وبركة بلادنا الشيخ أبو أحمد سعيد الصفدي( رحمه الله). عن عمر يزيد عن أربعة وتسعين عاماً قضاها في العبادة والعفة والطهارة والمجاهدة ، وتلاوة المعلوم الشريف، والزهد في الدنيا ( رحمه الله ).فيا حسرتاه لأفول نجمك الساطع من سمائنا التي أظلمت. واشوقاه لرشحات النعيم التي عشناها بمتابعتك والأنس بمجاورتك .
يا شيخنا الطاهر الجليل: أيها المجاهد المكابد، والناسك العابد، والمتقشف الزاهد، أيها الطائر الغريب، والطالع السعيد، والعنصر الطاهر الفريد، الذي تباركت بوجوده البلدان، وأزهرت بنور توحيده قلوب الإخوان، وشُفيَت بدعواته المستجابة النفوس والأجسام.
منذ صغرك انعذقت بالتوحيد، واحتقرت الدنيا، وجاهدت من أجل الأخرة، فألزمت نفسك الصمت حتى قومتها على الاستقامة. أتعبتها وإنما تريد راحتها، وغيبتها عن الناس كي لا ُتذكر. لا تحسد الأخيار ولا تخاصم الأشرار، ولا تريد في هذه الدنيا شأن ولا مقدار. فشغلك الشاغل، وأنسك الكامل، في تلاوة المعلوم الشريف، وفي ذكر الخبير اللطيف.
فمن سمع بمثل قوة عزمك أو شدة صبرك، وكثرة مجاهدتك، حتى أنك ظفرت بروح العاجل، وسعدت بنعيم الأجل، وختمت مسيرة حياتك الحافلة بالجهاد، بصبرٍ جميلٍ على بلاءٍ كبير، لا يُخَص به إلا الأولياء الذين تأتيهم المصائب لترفع درجاتهم، وتعلي منزلتهم ومقدارهم، فخصك الكريم بفالج في الجانب الأيمن وانقطاع عن الكلام وكأن لسان حالك يقول : "الحكمة في عشرة أجزاء تسعه منها في الصمت والعاشرة في قلة الكلام ". فكانت فرصة ثمينة، وغنيمة كبيره، اغتنموها كل الإخوان في مجدل شمس والجولان، لكسب الأجر وللتبرك بخدمة حضرتك وشرف الجلوس بقربك ومجاورتك.
فلمن تركتنا يا معلم الخير في عتمة ما قبل القيامة؟ أيها الطاهر البتول، أيها المؤنس المفضال، يا من غمرتنا بأفضالك ودعواتك وبركاتك، يا من أنسيتنا هموم الحياة في ملقاك العذب، ووجهك الطاهر البشوش، ولسانك الذي لا ينطق إلا بالحكمة والدعاء، ولطفك بالصغير والكبير، وعطفك على القريب والبعيد، وشفقتك ورأفتك على جميع الناس.
فما أعذب معشرك وما أطيب ملقاك، وما أللذَّ مذاكرتك وما أكرمك وما أرقاك، يا قليل الكلام، يا كثير النظام، يا تاليا لكتاب الله في الليالي والأيام، يا حبيب الإخوان.
أيها العابد الزاهد الورع التقي، والعارف المتخفي المتواضع الولي، يا سيدي الشيخ أبو أحمد سعيد الصفدي، رحمك الله ورضي عنك وأرضاك. أيها الوالد الحنون، والمعلم الذي لا يعرف إلا الرأفة والمحبة والتواضع والخيرات، يا صاحب الكرامات، وكرامتك الكبرى تجلت في إنكارك للذات، في زمن المزاحمات والمنافسات. يا صوفي القرن الحادي والعشرين، أيها الواقعي العاقل الرزين، يا من شفيتنا وشفيت أولادنا وأحبابنا بطبك الروحاني ودعواتك المستجابة، يا من أغنيتنا بعلومك الغنية المختصرة التي تُخبر عن لسان حالك. فألف ألف رحمة تطرى على روحك الطاهرة.
نبكي على فقد الأعيان، واليوم رحل سيد الأعيان، وكهف الإخوان، وملاذ الخلان، الذي تعطرت وتباركت بوجوده منطقة الجولان، وأضاءت بنور توحيده النواحي والبلدان.
وأسفاه على رحيلك يا قبلة العشيرة، ويا درة نادرة يتيمة. واشوقاه لمحياك المشع بنور التوحيد، لألفاظك العذبة المملوءة بكنوز الحكمة والإيمان، والرأفة والتواضع والحنان. لمسلكك التوحيدي الروحاني اللطيف، وبساطتك البريئة الممزوجة بعبق الشيوخ الصوفيين القدماء.
فطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن نهل من معينك الصافي، وبشراك نلت المنى والهنا في جنة العدنان. فما أحوجنا في هذا الوقت العسير إلى دعواتك المستجابة، وأحاديثك المستطابة، وأنفاسك الطاهرة المباركة. فألف ألف ألف رحمة على روحك الطاهرة.
وبأي حال عُدتَّ يا عيد... لقد فجعتنا برحيل شيخنا الصفدي الشيخ أبو أحمد سعيد... العابد الزاهد الورع العفيف التقي الفريد... والذي لسان حاله يقول دائماً: العيد نهضة، العيد يقظة، العيد توبة لكل الأجاويد... ليس العيد في الأكل والحلوى ولبس ثوب جديد... وإنما العيد لمن عمل صالحاً وأمن الوعيد... العيد تضحية في ترك شهوات فانية لا تنفع ولا تفيد... العيد في اجتناب المعاصي واكتساب الفضائل التي تقربنا بعز وافتخار إلى عظمة التوحيد. هذا هو عيدك الحقيقي أيها الطائر الفريد ... والعنصر الطاهر الأطيب المجيد... يا حضرة سيدنا وشيخنا أبو أحمد سعيد الصفدي. رحمه الله ونفعنا ببركاته.